فصل: ذكر وثوب الجند بطاهر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر وثوب الجند بطاهر:

وفي هذه السنة وثب الجند بطاهر بعد مقتل الأمين بخمسة أيام.
وكان سبب ذلك أنهم طلبوا منه مالأن فلم يكن معه شيء، فثاروا به، فضاق بهم الأمر، وظن أن ذلك من مواطأة من الجند وأهل الأرباض، وأنهم معهم عليه، ولم يكن تحرك من أهل الأرباض أحد، فخشي على نفسه، فهرب، ونهبوا بعض متاعه، ومضى إلى عقرقوف.
وكان لما قتل الأمين أمر بحفظ الأبواب، وحول زبيدة أم الأمين وولديه موسى وعبد الله معهأن وحملهم في حراقة إلى همينيا على الزاب الأعلى، ثم أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمهما المأمون بخراسان.
فلما ثار به الجند نادوا موسى يا منصور، وبقوا كذلك يومهم، ومن الغد، فصوب الناس إخراج طاهر ولدي الأمين؛ ولما هرب طاهر إلى عقرقوف خرج معه جماعة من القواد وتعبأ لقتال الجند، وأهل الأرباض ببغداد؛ فلما بلغ ذلك القواد المتخلفين عنه والأعيان من أهل المدينة خرجوا واعتذروأن وأحالوا على السفهاء والأحداث، وسألوه الصفح عنهم، وقبول عذرهم.
فقال طاهر: ما خرجت عنكم إلا لوضع السيف فيكم، وأقسم بالله العظيم، عز وجل، لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأيي فيكم، ولأخرجن إلى مكروهكم! فكسرهم بذلك، وأمر لهم برزق أربعة أشهر.
وخرج إليه جماعة من مشيخة أهل بغداد، وعميرة أبوشيخ بن عميرة الأسدي، فحلفوا له أنه لم يتحرك من أهل بغداد ولا من الأبناء أحد، وضمنوا منه من وراءهم، فسكن غضبه، وعفا عنهم، ووضعت الحرب أوزارهأن واستوسق الناس في المشرق والمغرب على طاعة المأمون والانقياد لخلافته.
عميرة بفتح العين وكسر الميم.

.ذكر خلاف نصر بن شبث العقيلي على المأمون:

في هذه السنة أظهر نصر بن سيار بن شبث العقيلي الخلاف على المأمون؛ وكان نصر من بني عقثيل يسكن كيسوم، ناحية شمالي حلب، وكان في عنقه بيعة للأمين، وله فيه هوى؛ فلما قتل الأمين أظهر نصر الغضب لذلك، وتغلب على ما جاوره من البلاد، وملك سميساط، واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب، وأهل الطمع، وقويت نفسه، وعبر الفرات إلى الجانب الشرقي، وحدثته نفسه بالتغلب عليه، فلما رأى الناس ذلك منه كثرت جموعه وزادت عما كانت، وكان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.
شبث بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة والثاء المثلثة.

.ذكر ولاية الحسن بن سهل العراق وغيره من البلاد:

وفي هذه السنة استعمل المأمون الحسن بن سهل، أخا الفضل، على كل ما كان افتتحه طاهر من كور الجبال، والعراق، وفارس، والأهواز، والحجاز، واليمن، بعد أن قتل الأمين، وكتب إلى طاهر بتسليم ذلك إليه، فقدم الحسن بين يديه علي بن أبي طاهر سعيد، فدافعه طاهر بتسليم الخراج إليه، حتى وفى الجند أرزاقهم، وسلم إليه العمل.
وقدم الحسن سنة تسع وتسعين ومائة، وفرق العمال، وأمر طاهراً أن يسير إلى الرقة لمحاربة نصر بن شبث العقيلي، وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، فسار طاهر إلى قتال نصر بن شبث، وأرسل إليه يدعوه إلى الطاعة، وترك الخلاف، فلم يجبه إلى ذلك، فتقدم إليه طاهر، والتقوا بنواحي كيسوم، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى فيه نصر بلاءً عظيمأن وكان الظفر له، وعاد طاهر شبه المهزوم إلى الرقة.
وكان قصارى أمر طاهر حفظ تلك النواحي؛ وكتب المأمون إلى هرثمة يأمره بالمسير إلى خراسان، وحج بالناس العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد.

.ذكر وقعة الربض بقرطبة:

في هذه السنة كانت بقرطبة الوقعة المعروفة بالربض؛ وسببها أن الحكم ابن هشام الأموي، صاحبهأن كان كثير التشاغيل باللهو، والصيد، والشرب، وغير ذلك مما يجانسه؛ وكان قد قتل جماعة من أعيان قرطبة، فكرهه أهلهأن وصاروا يتعرضون لجنده بالأذى والسب، إلى أن بلغ الأمر بالغوغاء أنهم كانوا ينادون عند انقضاء الأذان: الصلاة يا مخمور، الصلاة؛ وشافهه بعضهم بالقول وصفقوا عليه بالأكف؛ فشرع في تحصين قرطبة وعمارة أسوارهأن وحفر خنادقهأن وارتبط الخيل على بابه، واستكثر المماليك، ورتب جمعاً لا يفارقون باب قصره بالسلاح، فزاد ذلك في حقد أهل قرطبة، وتيقنوا أنه يفعل ذلك للانتقام منهم.
ثم وضع عليهم عشر الأطعمة، كل سنة، من غير حرص، فكرهوا ذلك، ثم عمد إلى عشرة من رؤساء سفهائهم، فقتلهم، وصلبهم، فهاج لذلك أهل الربض، وانضاف إلى ذلك أن مملوكاً له سلم سيفاً إلى صقيل ليصقله، فمطله، فأخذ المملوك السيف، فلم يزل يضرب الصقيل به إلى أن قتله، وذلك في رمضان من هذه السنة.
فكان أول من شهر السلاح أهل الربض، واجتمع أهل الربض جميعهم بالسلاح، واجتمع الجند والأمويون والعبيد بالقصر، وفرق الحكم الخيل والأسلحة، وجعل أصحابه كتائب، ووقع القتال بين الطائفتين، فغلبهم أهل الربض، وأحاطوا بقصره، فنزل الحكم من أعلى القصر، ولبس سلاحه، وركب وحرض الناس، فقاتلوا بين يديه قتالاً شديداً.
ثم أمر ابن عمه عبيد الله، فثلم في السور ثلمة، وخرج منها ومعه قطعة من الجيش، وأتى أهل الربض من وراء ظهورهم، ولم يعلموا بهم، فأضرموا النار في الربض، وانهزم أهله، وقتلوا مقتلة عظيمة، وأخرجوا من وجدوا في المنازل والدور، فأسروهم، فانتقى من الأسرى ثلاثمائة من وجوههم، فقتلهم، وصلبهم منكسين، وأقام النهب والقتل والحريق والخراب في أرباض قرطبة ثلاثة أيام.
ثم استشار الحكم عبد الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث، ولم يكن عنده من يوازيه في قربه، فأشار عليه بالصفح عنهم، والعفو، وأشار غيره بالقتل، فقبل قوله، وأمر فنودي بالأمان، على أنه من بقي من أهل الربض بعد ثلاثة أيام قتلناه وصلبناه؛ فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيأن وتحملوا على الصعب والذلول خارجين من حضرة قرطبة بنسائهم وأولادهم، وما خف من أموالهم، وقعد لهم الجند والفسقة بالمراصد ينهبون، ومن امتنع عليهم قتلوه.
فلما انقضت الأيام الثلاثة أمر الحكم بكف الأيدي عن حرم الناس، وجمعهن إلى مكان، وأمر بهدم الربض القبلي.
وكان بزيع مولى أمية ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن شهام محبوساً في حبس الدم بقرطبة، في رجليه قيد ثقيل، فلما رأى أهل قرطبة قد غلبوا الجند سأل الحرس أن يفرجوا له، فأخذوا عليه العهود إن سلم أن يعود إليهم، وأطلقوه، فخرج فقاتل قتالاً شديداً لم يكن في الجيش مثله، فلما انهزم أهل الربض عاد إلى السجن، فانتهى خبره إلى الحكم، فأطلقه وأحسن إليه، وقد ذكر بعضهم هذه الوقعة سنة اثنتين ومائتين.

.ذكر الوقعة بالموصل المعروفة بالميدان:

وفيها كانت الوقعة المعروفة بالميدان بالموصل بين اليمانية والنزارية وكان سببها أن عثمان بن نعيم البجمي صار إلى ديار مضر، فشكا الأزد واليمن، وقال: إنهم يتهضموننأن ويغلبوننا على حقوقنأن واستنصرهم، فسار معه إلى الموصل ما يقارب عشرين ألفأن فأرسل إليهم علي بن الحسن الهمداني، وهوحينئذ متغلب على الموصل، فسألهم على حالهم، فاخبروه، فأجابهم إلى ما يريدون، فلم يقبل عثمان ذلك، فخرج إليهم علي من البلد في نحوأربعة آلاف رجل، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديدأن عدة وقائع، فكانت الهزيمة على النزارية، وظفر بهم علي وقتل منهم خلقاً كثيراً وعاد إلى البلد.

.ذكر عدة حوادث:

وفي هذه السنة خرج الحسن الهرش في جماعة من سفلة الناس معه خلق كثير من الأعراب ودعا إلى الرضى من آل محمد، وأتى النيل، فجبى الأموال ونهب القرى.
وفيها مات سفيان بن عيينة الهلالي بمكة، وكان مولده سنة تسع ومائة.
وفيها توفي عبد الرحمن بن المهدي وعمره ثلاث وستون سنة؛ ويحيى بن سعيد القطان في صفر، ومولده سنة عشرين ومائة.

.حوادث سنة تسع وتسعين ومائة:

.ذكر ظهور ابن طباطبا العلوي:

وفيها ظهر أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، لعشر خلون من جمادى الآخرة، بالكوفة، يدعوإلى الرضى من آل محمد، صلى الله عليه وسلم، والعمل بالكتاب والسنة، وهوالذي يعرف بابن طباطبأن وكان القيم بأمره في الحرب أبوالسرايا السري بن منصور، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني.
وكان سبب خروجه أن المأمون لما صرف طاهراً عما كان إليه من الأعمال التي افتتحهأن ووجه الحسن بن سهل إليهأن تحدث الناس بالعراق أن الفضل ابن سهل قد غلب على المأمون، وأنه أنزله قصراً حجبه فيه عن أهل بيته وقواده، وأنه يستبد بالأمر دونه، فغضب لذلك بنوهاشم ووجوه الناس، واجترأوا على الحسن بن سهل، وهاجت الفتن في الأمصار، فكان أول من ظهر ابن طباطبا بالكوفة.
وقيل كان سبب اجتماع ابن طباطبا بأبي السرايا أن أبا السرايا كان يكري الحمير، ثم قوي حاله، فجمع نفرأن فقتل رجلاً من بني تميم بالجزيرة، وأخذ ما معه، فطلب، فاختفى، وعبر الفرات إلى الجانب الشامي، فكان يقطع الطريق في تلك النواحي، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينية، ومعه ثلاثون فارسأن فقوده، فجعل يقاتل معه الخرمية، وأثر فيهم، وفتك وأخذ منهم غلامه أبا الشوك.
فلما عزل أسد عن أرمينية صار أبوالسرايا إلى أحمد بن مزيد، فوجهه أحمد طليعةً إلى عسكر هرثمة في فتنة الأمين والمأمون، وكانت شجاعته قد اشتهرت، فراسله هرثمة يستميله، فمال إليه، فانتقل إلى عسكره، وقصده العرب من الجزيرة، واستخرج لهم الأرزاق من هرثمة فصار معه نحوألفي فارس وراجل، فصار يخاطب بالأمير.
فلما قتل الأمين نقصه هرثمة من أرزاقه وأرزاق أصحابه، فاستأذنه في الحج، فأذن له، وأعطاه عشرين ألف درهم، ففرقها في أصحابه ومضى، وقال لهم: اتبعوني متفرقين، ففعلوأن فاجتمع معه منهم نحومن مائتي فارس، فسار بهم إلى عين التمر، وحصر عاملهأن وأخذ ما معه من المال وفرقه في أصحابه.
وسار، فلقي عاملاً آخر ومعه مال، على ثلاثة بغال، فأخذها وسار، فلحقه عسكر كان قد سيره هرثمة خلفه، فعاد إليهم، وقاتلهم، فهزمهم، ودخل البرية، وقسم المال بين أصحابه، وانتشر جنده، فحلق به من تخلف عنه من أصحابه وغيرهم، فكثر جمعه، فسار نحودقوقأن وعليها أبوضرغامة العجلي، في سبع مائة فارس، فخرج إليه، فلقيه، فاقتتلوأن فانهزم أبوضرغامة، ودخل قصر دقوقأن فحضره أبوالسرايأن وأخرجه من القصر بالأمان وأخذ ما عنده من الأموال.
وسار إلى الأنبار، وعليها إبراهيم الشروي، مولى المنصور، فقتله أبوالسرايأن وأخذ ما فيها وسار عنها؛ ثم عاد غليها بعد إدراك الغلال، فاحتوى عليهأن ثم ضجر من طول السرى في البلاد، فقصد الرقة، فمر بطوق بن مالك التغلبي وهويحارب القيسية، فأعانه عليهم، وأقام معه أربعة أشهر يقاتل على غير طمع إلا للعصبية للربعية على المضرية، فظفر طوق واقادت له قيس.
وسار عنه أبوالسرايا إلى الرقة، فلما وصلها لقيه محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبأن فبايعه، وقال له: انحدر أنت في الماء، وأسير أنا على البر، حتى نوافي الكوفة؛ فدخلاهأن وابتدأ أبوالسرايا بقصر العباس ابن موسى بن عيسى فأخذ ما فيه من الأموال والجواهر، وكان عظيماً لا يحصى، وبايعهم أهل الكوفة.
وقيل كان سبب خروجه أن أبا السرايا كان من رجال هرثمة، فمطله بأرزاقه، فغضب، ومضى إلى الكوفة فبايع ابن طباطبأن وأخذ الكوفة، واستوسق له أهلهأن وأتاه الناس من نواحي الكوفة والأعراب، فبايعوه، وكان العامل عليها للحسن بن سهل سليمان بن المنصور، فلامه الحسن، ووجه زهير بن المسيب الضبي إلى الكوفة في عشرة آلاف فارس وراجل، فخرج إليه ابن طباطبا وأبوالسرايأن فواقعوه في قرية شاهي، فهزموه، واستباحوا عسكره، وكانت الوقعة سلخ جمادى الآخرة.
فلما كان الغد، مستهل رجب، مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا فجأة، سمه أبوالسرايا؛ وكان سبب ذلك أنه لما غمن ما في عسكره زهير منع عنه أبا السرايأن وكان الناس له مطيعين، فعلم أبوالسرايا أنه لا حكم له معه، فسمه فمات، وأخذ مكانه غلاماً أمرد يقال له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، فكان الحكم إلى أبي السرايا.
ورجع زهير إلى قصر ابن هبيرة، فأقام به، ووجه الحسن بن سهل عبدوس بن محمد بن أبي خالد المرورذي، في أربعة آلاف فارس، فخرج إليه أبوالسرايأن فلقيه بالجامع لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب، فقتل عبدوسأن ولم يفلت من أصحابه أحد، كانوا بين قتيل وأسير.
وانتشر الطالبيون في البلاد، وضرب أبوطالب الدراهم بالكوفة وسير جيوشه إلى البصرة، وواسط، ونواحيهمأن فولى البصرة العباس بن محمد بن عيسى بن محمد الجعفري؛ وولى مكة الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي الذي يقال له الأفطس، وجعل إليه الموسم؛ وولى اليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر؛ وولى فارس إسماعيل بن موسى بن جعفر؛ وولى الأهواز زيد بن موسى بن جعفر، فسار إلى البصرة، وغلب عليهأن وأخرج عنها العباس بن محمد الجعفري، ووليها مع الأهواز، ووجه أبوالسرايا محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي إلى المدائن، وأمره أن يأتي بغداد من الجانب الشرقي، فأتى المدائن، وأقام بها وسير عسكره إلى ديالى.
وكان بواسط عبد الله بن سعيد الحرشي والياً عليها من قبل الحسن بن سهل، فانهزم من أصحاب أبي السرايا إلى بغداد، فلما رأى الحسن أن أصحابه لا يلبثون لأصحاب أبي السرايأن أرسل إلى هرثمة يستدعيه لمحاربة أبي السرايأن وكان قد سار إلى خراسان مغاضباً للحسن، فحضر بعد امتناع، وسار إلى الكوفة في شعبان، وسير الحسن إلى المدائن وواسط علي بن سعيد، فبلغ الخبر أبا السرايا وهوبقصر ابن هبيرة، فوجه جيشاً إلى المدائن، فدخلها أصحابه في رمضان، وتقدم حتى نزل بنهر صرصر، وجاء هرثمة فعسكر بإزائه، بينهما النهر، وسار علي بن سعيد في شوال إلى المدائن، فقاتل بها أصحاب أبي السرايأن فهزمهم واستولى على المدائن.
وبلغ الخبر أبا السرايأن فرجع من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة، فنزل به؛ وسار هرثمة في طلبه فوجد جماعة من أصحابه، فقتلهم، ووجه رؤوسهم إلى الحسن بن سهل، ونازل هرثمة أبا السرايأن فكانت بينهما وقعة قتل فيها جماعة من أصحاب أبي السرايأن فانحاز إلى الكوفة، ووثب ن معه من الطالبيين على دور بني العباس ومواليهم وأتباعهم، فهدموهأن وانتهبوهأن وخربوا ضياعهم، وأخرجوهم من الكوفة، وعملوا أعمالاً قبيحة، واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس.
وكان هرثمة يخبر الناس أنه يريد الحج، وحبس من قدم للحج من خراسان وغيرها ليكون هوأمير الموسم، ووجه إلى مكة داود بن عيسى بن موسى بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم، وكان الذي وججه أبوالسرايا إلى مكة حسين بن حسن الأفطس بن علي بن علي بن الحسين بن علي، ووجه أيضاً إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن علي، فدخلهأن ولم يقاتله بها أحد.
ولما بلغ داود بن عيسى توجيه أبي السرايا حسين بن حسن إلى مكة لإقامة الموسم، جمع أصحاب بني العباس ومواليهم، وكان مسرور الكبير قد حج في مائتي فارس، فتعبأ للحرب، وقال لداود: أقم إلي شخصك، أوبعض ولدك، وأنا أكفيك، فقال: لا أستحل القتال في المحرم، والله لئن دخلوها في هذا الفج لأخرجن من غيره.
وانحاز داود إلى ناحية المشاش، وافترق الجمع الذي كان جمعهم، وخاف مسرور أن يقاتلهم، فخرج في أثر داود راجعاً إلى العراق، وبقي الناس بعرفة، فصلى بهم رجل من عرض الناس بغير خطبة، ودافعوا من عرفه بغير إمام.
وكان حسين بن حسن بشرف يخاف دخول مكة، حتى خرج إليه قوم أخبروه أن مكة قد خلت من بني العباس، فدخلها في عشرة أنفس، فطافوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ومضوا إلى عرفة، فوقفوا ليلاً ثم رجعوا إلى مزدلفة، فصلى بالناس الصبح، وأقام بمنى أيام الحج، وبقي بمكة إلى أن انقضت السنة، وكذلك أيضاً أقام محمد بن سليمان بالمدينة، حتى انقضت السنة.
وأما هرثمة فإنه نزل بقرية شاهي، ورد الحاج، واستدعى منصور بن المهدي إليه، وكاتب رؤساء أهل الكوفة.
وأما علي بن سعيد فإنه توجه من المدائن إلى واسط، فأخذهأن وتوجه إلى البصرة، فلم يقدر على أخذها هذه السنة.

.ذكر قوة نصر بن شبث العقيلي:

وفيها قوي أمر نصر بن شبث العقيلي، وكثر جمعه، وحصر حران، وأتاه نفر من شيعة الطالبيين، فقالوا له: قد وترت بني العباس، وقتلت رجالهم، وأعلقت عنهم العرب، فلوبايعت لخليفة كان أقوى لأمرك.
فقال: من أي الناس؟ فقالوا: نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب؛ فقال: أبايع بعض أولاد السوداوات فيقول إنه لوخلقني ورزقني؟ قالوا: فنبايع لبعض بني أمية؛ فقال: أولئك قد أدبر أمرهم، والمدبر لا يقبل أبدأن ولوسلك علي رجل مدبر لأعداني إدباره، وإمنا هواي في بني العباس، وإمنا حاربتهم محاماة على العرب لأنهم يقدمون عليهم العجم.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة توفي الحسين بن مصعب بن زريق أبوطاهر بن الحسين بخراسان، وكان طاهر بالرقة، وحضر المأمون جنازته، ونزل الفضل بن سهل قبره، ووجه المأمون يعزيه بأبيه.
وفيها توفي أبوعون معاوية بن أحمد الصمادحي، مولى آل جعفر بن أبي طالب، الفقيه المغربي الزاهد.
وفيها توفي سهل بن شاذويه أبوهارون، وعبد الله بن منير الهمداني الكوفي، وكنيته أبوهاشم، وهووالد محمد بن عبد الله بن منير شيخ البخاري ومسلم.

.حوادث سنة مائتين:

.ذكر هرب أبي السرايا:

في هذه السنة هرب أبوالسرايا من الكوفة، وكان قد حصره فيها ومن معه هرثمة، وجعل يلازم قتالهم، حتى ضجروأن وتركوا القتال؛ فلما رأى ذلك أبوالسرايأن تهيأ للخروج من الكوفة، فخرج في ثمامنائة فارس، ومعه محمد بن محمد بن زيد، ودخلها هرثمة فأمن أهلهأن ولم يتعرض إليهم؛ وكان هربه سادس عشر المحرم، وأتى القادسية وسار منها إلى السوس بخوزستان فلقي مالاً قد حمل من الأهواز، فأخذه، وقسمه بين أصحابه.
وأتاه الحسن بن علي المأموني، فأمره بالخروج من عمله، فكره قتاله فأبى أبوالسرايا إلا قتاله، فقاتله، فهزمه المأموني وجرحه، وتفرق أصحابه، وسار هوومحمد بن محمد وأبوالشوك نحومنزل أبي السرايا برأس عين، فلما انتهوا إلى جلولاء ظفر بهم حماد الكندغوش، فأخذهم، وأتى بهم الحسن بن سهل، وهوبالنهروان، فقتل أبا السرايأن وبعث رأسه إلى المأمون، ونصبت جثته على جسر بغداد، وسير محمد بن محمد إلى المأمون.
وأما هرثمة فإنه أقام بالكوفة يوماً واحداً وعاد، واستخلف بها غسان بن أبي الفرج أبا إبراهيم بن غسان، صاحب حرس والي خراسان.
وسار علي بن سعيد إلى البصرة، فأخذها من العلويين. وكان بها زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي، عليه السلام، وهوالذيث يسمى زيد النار، وإمنا سمي بها لكثرة ما أحرق بالبصرة من دور العباسيين وأتباعهم، وكان إذا أتى رجل من المسودة أحرقه؛ وأخذ أموالاً كثيرة من أموال التجار سوى أموال بني العباس؛ فلما وصل علي إلى البصرة استأمنه زيد فأمنه، وأخذه، وبعث إلى مكة، والمدينة، واليمن جيشأن فأمرهم بمحاربة من بها من العلويين، وكان بين خروج أبي السرايا وقتله عشرة أشهر.

.ذكر ظهور إبراهيم بن موسى:

في هذه السنة ظهر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان بمكة، فلما بلغه خبر أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن، وبها إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس أملاً للمأمون، فلما بلغه قرب إبراهيم من صنعاء، سار منها نحومكة فأتى المشاش، فعسكر بهأن واجتمع بها إليه جماعة من أهل مكة هربوا من العلويين، واستولى إبراهيم على اليمن، وكان يسمى الجزار لكثرة من قتل باليمن، وسبى، وأخذ الأموال.

.ذكر ما فعله الحسين بن الحسن الأفطس بمكة والبيعة لمحمد بن جعفر:

وفي هذه السنة، في المحرم، نزع الحسين كسوة الكعبة، وكساها كسوة أخرى، أنفذها السرايا من الكوفة، من القز، وتتبع ودائع بني العباس وأتباعهم، وأخذهأن وأخذ أموال الناس بحجة الودائع، فهرب الناس منه، وتطرق أصحابه إلى قلع شبابيك الحرم، وأخذ ما على الأساطين من الذهب، وهونزر حقير، وأخذ ما في خزانة الكعبة، فقسمه مع كسوتها على أصحابه.
فلما بلغه قتل أبي السرايأن ورأى تغير الناس لسوء سيرته وسيرة أصحابه، أتى هووأصحابه إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عليه السلام، وكان شيخاً محبباً للناس، مفارقاً لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة، وكان يروي العلم عن أبيه جعفر، رضي الله عنه، وكان الناس يكتبون عنه، وكان يظهر زهدأن فلما أتوه قالوا له: تعلم منزلتك من الناس، فهلم نبايع لك بالخلافة، فإن فعلت لم يختلف عليك رجلان.
فامتنع من ذلك، فلم يزل به ابنه علي والحسين بن الحسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، وأجابهم، وأقاموه في ربيع الأول، فبايعوه بالخلافة، وجمعوا له الناس، فبايعوه طوعاً وكرهأن وسموه أمير المؤمنين، فبقي شهوراً وليس له من الأمر شيء، وابنه علي والحسين بن الحسن وجماعتهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلاً؛ فوثب الحسين بن الحسن على امرأة من بني فهر كانت جميلة، وأرادها على نفسهأن فامتنعت منه، فأخاف زوجهأن وهومن بني مخزوم، حتى توارى عنه، ثم كسر باب دارهأن وأخذها إليه مدة ثم هربت منه.
ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام أمرد، وهوابن قاضي مكة، يقال له إسحاق بن محمد، وكان جميلأن فأخذه قهرأن فلما رأى ذلك من أهل مكة ومن بها من المجاورين اجتمعوا بالحرم، واجتمع معهم جمع كثير، فأتوا محمد بن جعفر، فقالوا له: لنخلعنك، أولنقتلنك، أولتردن غلينا هذا الغلام! فأغلق بابه وكلمهم من شباك، وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ الغلام، وحلف لهم أنه لم يعلم بذلك، فأمنوه، فركب إلى ابنه وأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله.
ولم يلبثوا إلا يسيراً حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن فنزل المشاش واجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفر، وأعلموه، وحفروا خندقأن وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم، فقاتلهم إسحاق، ثم كره القتال، فسار نحوالعراق، فلقيه الجند الذين أنفذهم هرثمة، إلى مكة، ومعهم الجلودي ورجاء بن جميل، فقالوا لإسحاق: ارجع معنأن ونحن نكفيك القتال، فرجع معهم، فقاتلوا الطالبيين، فهزموهم، فأرسل محمد بن جعفر يطلب الأمان، فأمنوه، ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة وتفرق الطالبيون من مكة.
وأما محمد بن جعفر فسار نحوالجحفة، فأدركه بعض موالي بني العباس، فأخذ جميع ما معه، وأعطاه دريهمات يتوصل بهأن فسار نحوبلاد جهينة، فجمع بهأن وقاتل هارون بن المسيب والي المدينة، عند الشجرة وغيرهأن عدة دفعات، فانهزم محمد، وفقئت عينه بنشابة، وقتل من أصحابه بشر كثير، ورجع إلى موضعه.
فلما انقضى الموسم طلب الأمان من الجلودي، ومن رجاء بن جميل وهوابن عمة الفضل بن سهل، فأمنه، وضمن له رجاء عن المأمون وعن الفضل الوفاء بالأمان، فقبل ذلك، فأتى مكة لعشر بقين من ذي الحجة، فخطب الناس، وقال: إنني بلغني أن المأمون مات، وكانت له في عنقي بيعة، وكانت فتنة عمت الأرض، فبايعني الناس، ثم إنه صح عندي أن المأمون حي صحيح، وأنا أستغفر الله من البيعة، وقد خلعت نفسي ن البيعة التي بايعتموني عليهأن كما خلعت خاتمي هذا من إصبعي، فلا بيعة لي في رقابكم.
ثم نزل وسار سنة إحدى ومائتين إلى العراق، فسيره الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو، فلما سار المأمون إلى العراق صحبه، فمات بجرجان، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.